
د. بلال ياسين
في عصر الإعلام الرقمي، وسيولة المعلومات، وتعدد المسؤوليات، وطبيعة الأعمال، وفي ظل تنامي بعض البرامج التي تُهدد الأسرة ومبادئها، زادت التحديات التي تواجه الأسرة ومكوناتها، وبما أنَّ الأسرة هي أساس المجتمعات الإنسانية وعِمادها، فإنَّ الاعتناء بها تكويناً، وتأهيلاً، وتأثيراً يُعد أولى الأوليات، وأقدس المهمات.
ولا نعني بالأسرة حُسن تربية الأولاد فقط، بل إننا نقصد المنظمومة بأكملها، وإنَّ من أهم عناصر هذه المنظومة هي الاختيار الجيد لشريك/ة الحياة، وتقليل مساحات الاختلاف، التي تُعكر صفو الحياة وتكدر جمالها، وهذا ما أرشدنا إليه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" رواه الترمذي وغيره، وقال عليه السلام في حديث آخر: "تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، ولحسَبِها، ولجمالها، ولدِينها، فاظفَرْ بذات الدين تربتْ يداك » (متفق عليه).
نجد في هذا التوجيه النبوي الشريف المعايير الأساسية التي تُبنى عليها اختيار الزوج والزوجة، ورغم أنها قليلة المبنى، إلا أنها عميقة المعنى، فالدين والأخلاق لا يعني أداء الشعائر الدينية بانتظام، والالتزام بالمظاهر الأخلاقية شكلاً، وإنما يتعدى بجوهره إلى الكفاءة المادية والمعنوية، والإحسان في المعشر سلوكاً عملياً، وتقارب الطبع الحسن عادة وتقليداً، وتحملاً للمسؤولية، وتزيين العلاقة الزوجية بالصبر والتغافل.
ولا شك أنَّ هذا الكلام النظري معلومٌ بالضرورة، لهذا فإنَّ منظومة الأسرة تحتاج إلى مؤسسات راعية، وخبرات عملية، حتى تحتضن الأسرة بجميع مراحلها، وتُقدم لها التجربة الواعية، والخبرة العملية، التي تحد من مساحات الاختلاف، وتُعزز السكينة والاطمئنان في الأسرة ومحيطها.
وإنَّ من أهم الوسائل التي يُمكن أن تُساهم في تعزيز قوة الأسرة وتنظيمها، هي الدورات التدريبية التي تستهدف الشباب المُقبل على الزواج، وفي فترة الخطوبة الزوجية، وبُعيد الزواج.
وقد كان لدولٍ أجنبية وإسلامية وعربية تجارب ثرية في مجال تدريب الشباب المقبل على الزواج، بل إنَّ بعضها كماليزيا مثلاً حققت آثاراً إيجابية كبيرة، خصوصاً في الحد من نسبة الطلاق، إذ انخفضت نسبة الطلاق لديها إلى أقل من واحد في المائة.
وهنا نُؤكد أنَّ لكل مجتمع خصوصية تختلف عن غيره، سواء في الجغرافيا والتعداد السكاني، والأوضاع الاقتصادية، والطبائع المجتمعية، وكذلك العادات العرفية، والثقافة العامة، وغيرها من العوامل التي تجعل من المنهاج التدريبي وأولوياته يختلف من بيئة لأخرى. كما أنَّنا نُؤكد على أنّ التدريب لوحده لا يخلق أسرة متماسكة، بل إنه أحد العوامل الرئيسة التي تعزز من قوة الأسرة وتماسكها.
لهذا فإنَّ أكاديمية التطوير والتدريب أفردت قسماً خاصاً للأسرة والمجتمع، سعياً منها في بلورة برنامج أُسري يُساهم في تعزيز قوة الأسرة، وتفكيك المشاكل التي تقف أمامها، وتطوير آليات حديثة، وذلك من خلال التجارب السابقة، والنماذج الناجحة، مراعية في ذلك خصوصية الفئات المستهدفة، وطبيعة البيئات المختلفة.