
الذكاء العاطفي: المهارة الأهم لتحسين حياتك
بقلم د. مروان مسلّم
هل لك أن تتخيَّل أَن نعيش في هذا العالم ونحن لا نستطيع أن نفهم فيه مشاعر بعضنا بعضاً، ولا نستطيع تحديد ما إذا كان الشخص الذي يقابلنا يحبنا أم يكرهنا، هل هو راض أم غاضب منَّا، ولا نشعر أيضاً بأنَّ الآخرين يستطيعون فهم عواطفنا والكلمات التي لا ننطقها، ستكون الحياة مُبهمة وغريبة بالتأكيد، وتأتي هنا أهمية الذكاء العاطفي، والذي بدونِه، سنكون مجردون من جزء رئيسي من التواصل الإنساني.
تشير العديد من الدراسات والعلماء إلى أنَّ الذكاء العاطفي أكثر أهمية من الذكاء المعرفي (والذي يشير إلى القدرة على التعامل مع المعلومات وتفسيرها)، وكذلك أثبتت التجارب أنَّ الأشخاص الذين يتحلًّون بالذكاء العاطفي قد يصلون إلى أهدافهم وإلى أعلى المراتب حتى ولو كان ذكاؤهم المعرفي ليس عالياً، بينما لا يستطيع الأشخاص الذين يفتقرون إلى الذكاء العاطفي النجاح في الحياة حتى لو كانوا أذكياء.
نظراً لأنَّ تأثير الذكاء العاطفي يمتد إلى الحياة المهنية والاجتماعية والزوجية، فإننا لا نستطيع الإلمام بكل تأثيراته في مقال واحد؛ فالذكاء العاطفي بحر واسع وعميق وعلمٌ يُدرَّس ومهارات تُصقل وتُدرب.
إذا ما هو هذا الذكاء السحري الذي بإمكانه التأثير إيجاباً على جميع جوانب الحياة، الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence) هو القدرة على فهم عواطفك وعواطف الآخرين وإدارتها بطرائق إيجابية لتخفيف التوتر، والتواصل بصورة فعَّالة، والتعاطف مع الآخرين، والتغلُّب على التحديات والصراعات. كما يساعدك الذكاء العاطفي على بناء علاقات أقوى، والنجاح في الدراسة والعمل، وتحقيق أهدافك المهنية والشخصية. قد يساعدك أيضاً على التواصل مع مشاعرك، وتحويل النوايا إلى أفعال، واتِّخاذ قرارات صحيحة بشأن ما يهمك في هذه الحياة.
أكثر الناس نجاحاً في هذه الحياة؛ ليسوا الأذكى دائماً، فلربما تعرف أشخاصاً بارعين على المستوى الأكاديمي، ولكنَّهم غير فعَّالين اجتماعياً وغير ناجحين في عملهم أو في علاقاتهم الشخصية. وهذا لأنَّ الذكاء المعرفي (IQ) لا يكفي بحد ذاته لتحقيق النجاح في الحياة، وفي حين أنَّه قد يساعدك على الالتحاق بالجامعة -على سبيل المثال- سيساعدك ذكاؤك العاطفي على إدارة التوتر والعواطف عند حلول اختباراتك النهائية. ولحسنِ الحظ، يكون الذكاء العاطفي والذكاء المعرفي أكثر فاعلية عندما تُنَّميهما جنباً إلى جنب.
يؤثر الذكاء العاطفي على العديد من جوانب الحياة، الأداء المهني والدراسي، الصحة الجسدية، الصحة النفسية، العلاقات بكل أنواعها الشخصية والمهنية والاجتماعية... إلخ.
قد تجد شخصان بنفس المستوى العلمي والذكاء المعرفي والخبرة يتقدمان للوظيفة نفسها، لكن أحدهما يجيد مهارة الذكاء العاطفي والآخر لا يفعل، عند المقابلة؛ تجد صاحب مهارة الذكاء العاطفي يتحكم بمشاعره وانفعالاته، يفهم نفسية المقابل، يتطرق لأحاديث تهم المقابل، يدخل إلى قلبه وعقله، أما الآخر فجامد، مرتبك، يجيب بقدر السؤال أو أقل، فيتم اختيار الأول دون الثاني لأنه استفاد من تشغيل مهاراته في الذكاء العاطفي وتفوق على نظيره.
كذلك تجد في العلاقة الزوجية من يحسن إدارة هذه الأداة السحرية في فهم وتفهيم الطرف الآخر مشاعره ومتطلباته ورغباته، ما يحب وما يكره، يستطيع حل المشاكل الزوجية بكل سلاسة ويسر، بعكس الشخص الذي لا يمتلك هذه الأداة، فتجده أغلب الأوقات يعمل على مكافحة الحرائق في هذه العلاقة، ولا تكون صحته النفسية ولا الجسدية مطمئنة.
الذكاء العاطفي يفيد الموظفين في إدارة مسؤوليهم ومن هم مسؤولون عنهم بشكل رائع ومميز، وتجده يترفع من موقع إلى موقع بسرعة وإيجابية، قد يصادفك أحد الزملاء ممن يتحلى بنسبة عالية من الذكاء المعرفي والفني، ولكن لا تجد أحد من زملاءه من يرغب بالتعامل معه والعمل معه كفريق، لأنه فقد هذه المهارة التي تمكنه من العمل معهم، ودائماً ما يفضل أن يعمل لوحده.
تعتمد العلاقات الجيدة مع الآخرين على الوعي العاطفي وقدرتك على إدراك وفهم ما يشعر به الأشخاص من حولك؛ ممَّا يمكِّنك من تطوير مهارات اجتماعية وعاطفية تؤدي إلى جعل علاقاتك أكثر فاعلية وإثماراً.
يجب أن تكون على دراية بمدى فاعلية استخدامك للتواصل غير اللفظي؛ لأنَّه من المستحيل تجنب إرسال رسائل غير لفظية للآخرين حول شعورك واعتقاداتك. في الواقع؛ تساعدك عضلات الوجه (خاصةً تلك الموجودة حول العينين والأنف والفم والجبين) على نقل مشاعرك بصمت بالإضافة إلى قراءة النوايا العاطفية للآخرين. ويلعب التعرف على الرسائل غير اللفظية التي ترسلها للآخرين دوراً كبيراً في تحسين علاقاتك بهم ومدى تأثيرك عليهم.
كما يساعدك استخدام الفكاهة واللعب لتخفيف التوتر؛ إذ يُعدُّ الضحك والتحلِّي بروح الفكاهة مضادات طبيعية للتوتر تقلل من أعبائك وتساعدك على إبقاء الأمور في نصابها. كما يجعل الضحك نظامك العصبي في حالة توازن، ويقلل من التوتر، ويهدئك، ويجعلك أكثر تعاطفاً.
يتحتم عليك أن تتعلَّم أيضاً أن ترى النزاع باعتباره فرصة للتقرب من الآخرين؛ فالنزاعات والخلافات والصراعات أمور لا مفر منها في العلاقات الإنسانية، ولا يمكن أن يمتلك شخصان الاحتياجات والآراء والتوقعات نفسها في جميع الأوقات. ومع ذلك؛ لا يجب أن يكون هذا أمراً سيئاً، إذ قد يؤدي حل النزاع بطرائق صحيَّة وبنَّاءة إلى تعزيز الثقة بين الناس. عندما لا يُنظر إلى الصراع على أنه تهديد أو عقاب، فإنَّه يعزز الحرية والإبداع والسلامة في العلاقات.
في الختام
الذكاء العاطفي هو وسيلة أساسية لتحسين حياتك الشخصية والعملية وعلاقتك بنفسك وبالآخرين. ويدخل في العديد من جوانب الحياة التي تتأثر به بصورة استثنائية؛ فإذا كنت زوجاً، مديراَ، قائداً، موظفاً، أباً، صديقاً، يجب أن تتعلَّم هذه المهارة وتنمِّيها من أجل تحسين حياتك وحياة الآخرين. وكما قال "فيودور دوستويفسكي": "يتطلَّب الأمر ما هو أكثر من الذكاء، للتصرُّف بذكاء."