
بقلم: د. بلال ياسين
يُعد الإنسان كائنًا اجتماعيًا بطبيعته، لا يمكنه العيش منعزلًا عن محيطه. ومن هنا تبرز أهمية فاعليته في مجتمعه، أي مدى تأثيره الإيجابي في من حوله، وسعيه للمشاركة في تطوير البيئة التي ينتمي إليها. فاعلية الإنسان لا تقتصر على دوره المهني أو الأكاديمي، بل تشمل أيضًا مواقفه اليومية، وتفاعله مع القضايا الاجتماعية والثقافية.
الإنسان الفاعل هو ذلك الذي يملك شعورًا بالمسؤولية تجاه مجتمعه، ويسعى ليكون جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة. يبدأ ذلك من أبسط الأمور، كالمحافظة على النظافة العامة، والمشاركة في حملات التوعية، وصولًا إلى المبادرات الكبرى كريادة المشاريع المجتمعية، أو التطوع في المجالات الصحية والتعليمية.
وقد دعا القرآن الكريم في مواضع عدة للعمل والفاعلية، مع تأكيد أن هذا الجهد منظور ومقدر من الله والمجتمع، منها قوله تعالي:"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ". كما حدد الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام معيار واضح لقياس قيمة الإنسان في مجتمعه: بمدى نفعه لغيره. فقال: "خير الناس أنفعهم للناس".
أحد الأمثلة الواضحة على فاعلية الإنسان في مجتمعه، هو ما نراه في أوقات الأزمات والكوارث. ففي كثير من الدول، ومنها دول الخليج، يهبّ المواطنون والمقيمون على حد سواء لدعم المتضررين، سواء عبر التبرعات أو من خلال جهود التطوع الميداني. مثل هذه المبادرات لا تعكس فقط التعاطف الإنساني، بل تُظهر كيف يمكن للفرد أن يكون عنصرًا فاعلًا يبني التضامن ويعزز الروح الجماعية.
على الصعيد التعليمي، تُعد مشاركة الطلاب في الأنشطة المدرسية والمبادرات الشبابية من مظاهر الفاعلية. فالطالب الذي يقود حملة توعوية حول البيئة، أو يشارك في مسابقة علمية تمثل بلده، لا يُنمي مهاراته فحسب، بل يُسهم أيضًا في رفعة مجتمعه وتقدّمه.
ولا يمكن إغفال دور الفاعلية في البيئة الرقمية. ففي عصر الإعلام الجديد، أصبح الفرد قادرًا على إيصال صوته عبر وسائل التواصل الاجتماعي. حين يستخدم الإنسان هذه المنصات لنشر الوعي، أو الدفاع عن القضايا الإنسانية، أو دعم المشاريع المجتمعية، فإنه يُمارس فاعلية رقمية تُعزّز تأثيره وتوسّع دائرة أثره.
أما الآثار الناتجة عن هذه الفاعلية، فهي كثيرة ومتنوعة. على مستوى الفرد، تنمّي الفاعلية الشعور بالثقة والانتماء، وتُكسبه احترام الآخرين وتقديرهم. وعلى مستوى المجتمع، تُحدث الفاعلية تحسُّنًا ملموسًا في جودة الحياة، من خلال نشر الوعي، والحد من السلوكيات السلبية، وتحفيز التعاون والتكافل.
في النهاية، فاعلية الإنسان لا تُقاس فقط بما ينجزه لنفسه، بل بما يقدمه لغيره، وبقدرته على أن يكون طاقة إيجابية تدفع مجتمعه نحو الأفضل. وكل فرد – أيًّا كان موقعه – قادر على أن يصنع فرقًا، ولو بخطوة صغيرة يومية، تبدأ من البيت ولا تنتهي عند حدود العالم.